¤ الســــؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أعيش أتعسَ أيام حياتي، فبين أمي وزوجتي كرهٌ عميق في الوقت الحاضر.
بعد موت أبي رحمة الله عليه أحضرتُ أمِّي للخليج للعيش معي وزوجتي وابني، ولي أخٌ وأخت يسكُنون في بيوتهم ومتزوِّجون، وبعد خمسة أشهر بدأت الأمور تتغيَّر، فأمي سامحها الله تتدخَّل في شؤوننا الخاصَّة، وحتى في تربيتي لإبني وتعامُلِي مع زوجتي وتعامُل زوجتي معي، وكل يوم تكلمني أمي عن زوجتي، وأنها فعلت كذا وكذا، فأُحاوِل أن أهدِّئ من عصبيَّة أمي، مع العلم أني أعلم ما تفعل زوجتي، وأعلم أن أمي تُسِيء الظنَّ بأفعال زوجتي، فإذا فعلَتْ زوجتي شيئًا ظنَّت أمي أنَّ زوجتي تقصِد السوء لها، لا أقول: إنَّ زوجتي لا تخطئ أبدًا أستغفر الله العظيم ولكن في جميع الأمور التي إشتكَتْ أمي فيها من زوجتي لم تكن زوجتي تقصد السوء لأمي، لا أقول: إن أمي أخطأتْ أستغفر الله فهي أمي، وأعلَم أنها امرأة حسَّاسة.
ففي آخِر موقف وقَع سوء تَفاهُم وظنَّت أمي ظنَّ السوء بزوجتي وهي لم تكن تقصد، فإستَشاطَتْ أمِّي غضبًا، وصارت تصرخ، وأهانت زوجتي بكلمات شديدة، وزوجتي لم تردَّ، وأنا أحاوِل أن أهدِّئ أمي لكن بلا جدوى، حتى اتَّصلت على أخي ليأتي ويأخذ أمي حتى لا تَزِيد المشكلة أكثر من ذلك، فجاء وأخَذَها، وفي اليوم التالي ذهبت إلى بيت أخي وقبَّلتُ أمي لكسب رضاها.
الآن بعد مرور أسبوعَيْن على ذلك أمي وأخي وأختي لا يكلِّمون زوجتي ولا تكلِّمهم مع العلم أنِّي لم أقطع رحمي وأزورهم جميعًا، أريد أن أصلح الأمور، ولا أَعرِف كيف وهم يُرِيدون أن تعتَذِر زوجتي لأمِّي، وهي تقول لي: لم أخطئ في حقِّ أمِّك حتى أعتذر؟
وأنا لا أُرِيد أن أغضب أمِّي أو أن أظلم زوجتي وأخسرها وأخسر طفلي، وخصوصًا أن زوجتي تطلب منِّي أن أتَّفِق مع إخوتي أن تَعِيش أمِّي مع أختي، وأنفق أنا وأخي على أمي.
أرجوكم، ما الحلُّ؟ وماذا أفعل؟ أفيدوني أفادكم الله.
* الجـــواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
لا شكَّ أنَّ موقفك من أصعب المواقف، حيث يكون الرجل دائمًا بين حجري الرَّحَى بهذه المشكلات!
صعوبة الأم أو حساسيتها من زوجة ابنها أمرٌ شائع -للأسف- رغم أنَّ كثيرًا من الأمَّهات مررنَ بمعاناة مُشابِهة بصِغرهن، ربما يكون السبب أنها تتوقَّع أن تكون لها المكانة عند إبنِها وزوجته، كما أنها تحتاج أن تشعُر أن قلب ابنها لم يُسلَب منها، ولم تبعده عنها زوجته!
ليس الأمر سهلاً، لكن تبقى الأمُّ أمًّا، ولا يُمكِننا التخلِّي عنها أبدًا مهما فعلت، بل علينا تقديم البرِّ لها وإرضاؤها قدرَ إستِطاعتنا، ألم يوصنا الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالأمِّ ثلاثًا، فهل هذه وصيَّة هيِّنة؟! ألم يرتَبِط برُّ الوالدين والإحسان لهما بالتوحيد بأكثر من آية؟!
لقد أكدت النصوص الوصيَّة بالأم والبر بها تأكيدًا عظيمًا، بخلاف الزوجة والابن، أفلا يدلُّ ذلك على أنَّنا نحتاج لهذه التوصيات لتُذَكِّرنا بين حينٍ وآخر؟!
لا أشكُّ في حرصك على برِّ أمك وكسب رضاها، فهذا واضح بين سطورك، وإن كنتَ تستشعر صعوبتها وتتعاطَف مع زوجتك.
تحتاج بدايةً أن تفصِل مشاعرك نحو أمك عن مشاعرها نحو زوجتك، وأن تحرِص على برِّها أنت وأولادك دومًا ولا تقطعها أبدًا.
وزوجتك يبدو أنها من النوع الذي يضبط نفسه -ما شاء الله- وبينكما حوار وتفاهُم، أَشعِرها بحاجتك لتفهُّمها ولوقوفها معك، لكي تُرضِي أمَّك، وستجنِّبها الضغط قدر إستطاعتك.
إعتِذار زوجتك لأمِّك لن يكلِّفَها شيئًا، وسيَعنِي كثيرًا لك ولأمِّك، أخبرها أنَّ الإعتذار لا يكون فقط حينما نُخطِئ، بل أحيانًا نحتاجه لنرقِّق القلوب ونكسبها، لكن أيضًا طريقة الإعتِذار تحتاج لحكمة، قد تكون بهدية رقيقة تُرسِلها ومعها كلمة طيِّبة، ويُمكِنها بإعتِذارها أن توضِّح لها محبَّتها فقط دون أن تركِّز على كونها أخطأتْ أم لا.
قد لا تقبل أمك الإعتِذار، وقد تَزِيد من تجريحها، لكن ذلك لا يعني ألا تُحاوِلوا، فعلى الأقل تكونون قد فعلتُم ما في وُسعِكم.
أمَّا عن معيشة أمك عندكم، فلا يبدو أنها ستكون أمرًا سهلاً، لا عليها ولا على زوجتك، فحاوِل أن تُبعِد بينهما قدرَ إستِطاعتك، تجنُّبًا للمشكلات، وإحرِص أنت وأولادك على ألاَّ تقطعوها، وأن تعوِّضوها بكلِّ أشكال التعويض، وشجِّع زوجتك بين فترةٍ وأخرى على لمسة حانية، أو تعبيرٍ رقيق يخفِّف كثيرًا من الجليد بينهما.
احرِص أيضًا على ألاَّ تتدخَّل بمشكلاتهما أكثر، وأشعِر أمَّك بحبك لها مهما حصَل، وبأنك حريصٌ على رضاها، إنتَبِه ألاَّ تُدافِع عن زوجتك أمامَها فتَزِيد من حِدَّتها عليها، فقط حاوِل إحتِواءَها وتغيير الموضوع كلَّ مرَّة، مع الوقت قد تُصبِح الأمور أهون بإذن الله.
ولا تنسَ أثر سِهام الليل التي لا تُخطِئ، وأثَر الدعوات الصادقة التي تُخَفِّف عَنَّا وتُعِيننا.
وتبقى القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، لا نعرف سرَّها ولا نملِك بسهولة تغييرها!
أعانَك الله، ووفَّقك لكلِّ خير.
الكاتب: أ. أريج الطباع.
المصدر: موقع الآلوكة.